ممارسات إدارة الموارد البشرية الخضراء ونتائجها على سلوك المواطنة التنظيمية والاستدامة المؤسسية: البنوك الأردنية حالة دراسية

أ. د. اخلاص الطراونة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/08 الساعة 14:47
تعد الاستدامة المؤسسية أمرًا حيويًا للمنظمات المعاصرة، الا انه في بعض البنوك الأردنية قد لا تكون الاستدامة أولوية رئيسية في استراتيجياتها الامر الذي قد يؤثر سلبًا على عدة جوانب منها تأثير الاستدامة على الأداء المالي، حيث أن البنوك التي تضع الاستدامة في صلب استراتيجياتها تحقق عادة أداءً ماليًا أفضل وأكثر استدامة. ثانيًا، تأثير العلاقات مع العملاء والمستثمرين، إذ قد يزداد اهتمام العملاء والمستثمرين بالبنوك التي تتبنى ممارسات استدامة بارزة أكثر. ثالثًا، المسؤولية الاجتماعية، حيث تلعب البنوك دورًا مهما في تعزيز التغيير الاجتماعي والبيئي، وإذا لم تكن الاستدامة ذات أولوية فإن ذلك يمكن أن يؤثر سلبًا على الدور الاجتماعي المهم الذي تقوم به البنوك. لذا، تعتبر دراسة وجود الفجوات في التركيز على الاستدامة المؤسسية في البنوك الأردنية يعد خطوة أساسية لتحديد نقاط الضعف وتحديد التحسينات الممكنة، مما يساعد في تطوير استراتيجيات فعّالة لدمج ممارسات الاستدامة في العمليات والاستراتيجيات بشكل أكثر فعالية.
وتعد ممارسات إدارة الموارد البشرية الخضراء من التوجهات والمبادرات الحديثة والهادفة إلى تحقيق الاستدامة البيئية داخل المنظمات المعاصرة ومنها البنوك. ومن الأمثلة على تلك الممارسات التي يمكن تطبيقها في البنوك التوظيف الأخضر الذي يكفل اختيار الموظفين الذين من الممكن ان يساعدون في التزام البنك بالممارسات البيئية وتعزيز قيم الاستدامة في ثقافة العمل. ويكون التوظيف الأخضر من خلال جذب المواهب التي تتمتع بالوعي البيئي والاستعداد للمساهمة في تحقيق أهداف الاستدامة. ومن الممارسات الخضراء الأخرى التدريب الأخضر الذي من الممكن ان يزود من قدرة الموظفين على تبني ممارسات الاستدامة في الأداء اليومي، اذ يتضمن التدريب الأخضر تزويد الموظفين بالمعرفة والمهارات اللازمة لتقليل النفايات واستخدام الموارد بشكل فعال، وتبني التقنيات البيئية المتقدمة. إضافة الى ذلك هناك التحفيز الأخضر الذي يعد منهجية فعالة لتعزيز مشاركة الموظفين في المبادرات البيئية للبنك من خلال تقديم مكافآت وتعويضات مالية تشجيعية للموظفين الذين يساهمون في تحقيق أهداف الاستدامة، وبذلك يمكن للبنوك تعزيز الدافعية والالتزام بالممارسات البيئية داخلها. أخيراً، يلعب التقييم الأخضر دوراً أساسياً في قياس أداء البنك وتحقيق استدامته البيئية، حيث يشمل التقييم الأخضر تحليل مدى تنفيذ وتحقيق البنك أهداف الاستدامة وتقييم الأثر البيئي للعمليات والسياسات المصرفية. ومن خلال التقييم الأخضر يمكن للبنوك تحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين وتعزيز الجوانب البيئية في استراتيجياتها وعملياتها بشكل دوري وفعال.
تواجه البنوك تحديات كبيرة في تبني ممارسات إدارة الموارد البشرية الخضراء مما يتطلب استجابة فعّالة وحلولاً مبتكرة لتحقيق النجاح في هذا المجال. أحد هذه التحديات يتمثل في التغيير الثقافي داخل البنوك، حيث يتطلب تغيير السلوكيات والمعتقدات للموظفين والإدارة لتبني الممارسات الخضراء لجديدة بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب هذه الممارسات دعمًا قويًا من إدارة وقيادات البنك لتوجيه الجهود وتخصيص الموارد اللازمة لضمان نجاحها. بالإضافة الى التكاليف الإضافية التي تمثل جزءًا آخر من التحديات، حيث قد تحتاج هذه الممارسات استثمارات إضافية في التدريب وتبني التقنيات البيئية الجديدة. هناك أيضا التحديات القانونية والتنظيمية، حيث يجب على البنوك الامتثال للتشريعات واللوائح المحلية التي تتعلق بحماية البيئة والموارد الطبيعية. وفي ضوء هذه التحديات، يتطلب تنفيذ ممارسات إدارة الموارد البشرية الخضراء في البنوك الأردنية جهودًا متكاملة، تتضمن دراسات دقيقة والتزامًا من قيادات البنوك وموظفيها لضمان تحقيق النجاح المستدام والمستقبلي في هذا المجال.
للتغلب على هذه التحديات، يجب ان تعمل البنوك الأردنية على تطوير سياسات داخلية تعزز من استدامة أعمالها، مثل تبني القيادة التحويلية التي تسهم في تغيير الثقافة التنظيمية نحو مستقبل مستدام ومبتكر، ايضا التعاون مع الحكومة والمجتمع المدني لتعزيز السياسات واللوائح التي تدعم الاستدامة وحماية البيئة. وبالنظر إلى هذه الجهود، يصبح من الواضح أن التحول نحو الاستدامة في البنوك الأردنية ليس مجرد مسألة تقليل الأثر البيئي فحسب، بل هو استثمار في المستقبل الاقتصادي والاجتماعي عموما. إن تبني ممارسات إدارة الموارد البشرية الخضراء يعكس التزام البنوك بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية، ويساهم في بناء بيئة عمل تشجع على الابتكار والاستدامة، مما يعزز من مكانة البنوك كرواد في دعم النمو المستدام في الأردن.
من جانب آخر، يعتبر سلوك المواطنة التنظيمية مؤشراً هاماً على تفاعل الموظفين مع مؤسستهم والتزامهم بها. ويتضمن سلوك المواطنة التنظيمية استعداد الموظفون للمشاركة بشكل فعّال في أنشطة تفوق واجباتهم الروتينية لتحقيق أهداف البنك. تلعب الثقافة التنظيمية للبنك دوراً بارزاً في تعزيز هذا السلوك، حيث تؤثر بشكل كبير على نهج التعاون والمشاركة بين الموظفين. كما يمكن ان تسهم القيادة الفعّالة في دعم وتعزيز سلوك المواطنة التنظيمية، من خلال تقديم الحوافز الملائمة للموظفين. بالإضافة إلى ذلك، تلعب نظم المكافآت والتقييم العادل دوراً كبيراً في تعزيز هذا السلوك، حيث يشعر الموظفون بالتقدير والدعم اللازمين لتحقيق الأهداف المشتركة بينهم وبين البنك. بشكل عام، يمكن أن يكون سلوك المواطنة التنظيمية متنوعًا ويعكس تفاعل العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر على البيئة العملية داخل كل مؤسسة بنكية على حدة.
ان اعتماد ممارسات إدارة الموارد البشرية الخضراء داخل بيئة العمل في البنوك يمثل استراتيجية حيوية قد تؤثر بشكل كبير على سلوك المواطنة الصالحة للموظفين، اذ تهدف هذه الممارسات إلى تعزيز الوعي البيئي والمسؤولية الاجتماعية، مما قد يحفز الموظفون على المشاركة الفعّالة في دعم الأهداف البيئية والاجتماعية للمؤسسة. ينتج عن ذلك تحسين في سلوك المواطنة الصالحة وزيادة الانخراط الإيجابي للموظفين في الأنشطة التطوعية، وتعزيز مساهمتهم الفعّالة في تحقيق أهداف البنك وفقاً للمبادئ البيئية والاجتماعية. وبالتالي، تعتمد المؤسسة نهجاً شاملاً يربط بين الاستدامة ورغبتها في تعزيز العمل الجماعي والانتماء الوظيفي لموظفيها بهدف تحقيق أهداف مشتركة ونمو مستدام للبنك والمجتمع على حد سواء.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/08/08 الساعة 14:47